فصل: قال البقاعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في مَا وجهان:
أحدهما: أنها استفهامية، فتكون في محل نصب بـ {يَفْعَل} وإنما قُدِّم؛ لكونه له صدر الكلام، والباءُ على هذا سببيةٌ متعلقةٌ بـ {يَفْعَلُ}، والاستفهام هنا معناه النفيُ، والمعنى: أن الله لا يفعلُ بعذابِكُمْ شيئًا؛ لأنه لا يجلبُ لنفسِه بعذابكم نفعًا، ولا يدْفَعُ عنها به ضُرًّا، فأيُّ حاجة له في عذابكُمْ؟ [والمقصودُ منه حمل المكلَّفين على فعل الحَسَن والاحتراز عن القبيح].
والثاني: أن مَا نافية؛ كأنه قيل: لا يُعذِّبُكُمُ الله، وعلى هذا: فالباء زائدة، ولا تتعلَّق بشيءٍ.
[قال شهاب الدين:] وعندي أن هذين الوجهين في المعنى شيءٌ واحدٌ، فينبغي أن تكون سبييةٌ في الموضعين أو زائدة فيهما؛ لأن الاستفهام بمعنى النفْيِ، فلا فرق.
وقال البَغَوِي: هذا اسْتِفْهَام بمعْنَى التَّقْرير معناه: إنه لا يُعَذِّبُ المؤمِنَ الشَّاكِر، فإن تَعْذِيبَهُ عِبَادهُ لا يَزِيدُ في مُلْكِهِ، وتَرْكَهُ عُقُوبَتَهُم على فعلهم لا يُنْقصُ من سُلطانِه [والشُّكْرُ ضد الكُفر، والكُفْر سَتْر النِّعْمَة والشُّكْرُ إظهَارُهَا]، والمصدر هُنا مُضَاف لمفْعُولِهِ.
وقوله: {إِن شَكَرْتُمْ} جوابُهُ مَحْذُوفٌ؛ لدلالةِ ما قبله عليه، أي: إن شَكَرْتُم وآمَنْتُم فما يَفْعَلُ بعَذابكُم. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات: أما في قوله سبحانه: {وَيَسْتَفْتُونَكَ في النساء} إلى قوله عز وجل: {وَكَانَ الله واسعا حَكِيمًا} [النساء: 127 130] فقد قال النيسابوري فيه: إن النفس للروح كالمرأة للزوج، {مّنَ النساء} صفات النفوس، و{مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ما أوجب الله تعالى من الحقوق.
وحاصل المعنى إن نفسك مطيتك فارفق بها، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {والصلح خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح} [النساء: 128] فالروح تشح بترك حقوق الله تعالى، والنفس تشح بترك حظوظها فلا تميلوا كل الميل في رفض حظوظ النفس، فقد جاء في الخبر «إن لنفسك عليك حقًا» {فَتَذَرُوهَا كالمعلقة} [النساء: 129] بين العالم العلوي والعالم السفلي {وَإِن يَتَفَرَّقَا} أي الروح والنفس {يُغْنِ الله كُلًا مّن سَعَتِهِ} فالروح يجتذب بجذبة خل نفسك وائتني إلى سعة غنى الله تعالى في عالم هويته فيستغني عن مركب النفس بالوصول إلى المقصود، والنفس تجتذب بجذية ارجعي إلى ربك إلى سعة غنى الله تعالى في عالم {فادخلى في عِبَادِى وادخلى جَنَّتِى} [الفجر: 28 30] انتهى، ولايخفى أن باب التأويل واسع، وما ذكره ليس بمتعين فيمكن أن تجعل الآية في شأن الشيخ والمريد؛ وأما في قوله تعالى: {المؤمنين يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ كُونُواْ} إلخ فنقول: إنه سبحانه أمر المؤمنين بالتوحيد العلمي المريدين لثواب الدارين أن يكونوا ثابتين في مقام العدالة التي هي أشرف الفضائل {قَوَّامِينَ} [النساء: 135] بحقوقها بحيث تكون ملكة راسخة فيهم لا يمكن معها جور في شيء ولا ظهور صفة نفس لاتباع هوى في جلب نفع دنيوي أو رفع مضرة كذلك، ثم قال جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} من حيث البرهان {ءامَنُواْ} [النساء: 136] من حيث البيان إلى أن تؤمنوا من حيث العيان أو: {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ} بالإيمان التقليدي {ءامَنُواْ} بالإيمان العيني، أو المراد يا أيها المدعون تجريد الإيمان لي من غير وساطة لا سبيل لكم إلى الوصول إلى عين التجريد إلا بقبول الوسائط، فالآية إشارة إلى الفرق بعد الجمع {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} بالتقليد {ثُمَّ كَفَرُواْ} إذ لم يكن للتقليد أصل {ثُمَّ كَفَرُواْ} بالاستدلال العقلي {ثُمَّ كَفَرُواْ} إذ لم تكن عقولهم مشرفة بالنور الإلهي {ثُمَّ ازدادوا كُفْرًا} بالشبهات والاعتراضات، وقد يكون ذلك إشارة إلى وصف أهل التردد في سلوك سبيل أولياء الله تعالى، والإيمان بأحوالهم حين هاجت رغبتهم إلى رياسة القوم.
فلما جن عليهم ليل المجاهدات لم يتحملوا وأنكروا ورجعوا إلى حظوظ أنفسهم، ولما رأوا نهاية الأكابر وظنوا اللحوق بهم لو استقاموا وآمنوا فلما لم يصلوا إلى شيء من مقامات القوم وكراماتهم لعدم إخلاصهم وسوء استعدادهم ارتدوا وصاروا منكرين عليهم وعلى مقاماتهم وازدادوا إنكارًا على إنكار حين رجعوا إلى اللذات والشهوات واختاروا الدنيا على الآخرة وجعلوا يقولون للخلق: إن هؤلاء ليسوا على الحق فقد سلكنا ما سلكوا وخضنا ما خاضوا فلم نر إلا سرابًا بقيعة، وهذا حال كثير من علماء السوء المنكرين على القوم قدس الله تعالى أسرارهم {لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ} لمكان الريب الحاجب وفساد جوهر القلب وزوال الاستعداد {وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137] إلى الحق ولا إلى الكمال لعدم قبولهم ذلك {الذين يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَاء} لمناسبتهم إياهم وشبيه الشيء من منجذب إليه {مِن دُونِ المؤمنين} لعدم الجنسية {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة} أي أيطلبون التعزز بهم في الدنيا والتقوي بمالهم وجاههم {فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139] فلا سبيل لهم إليها إلا منه سبحانه عز وجل، ثم ذكر سبحانه من وصف المنافقين أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لعدم استعدادهم واستيلاء الهوى عليهم {يُرَاءونَ الناس} لاحتجابهم بهم عن رؤية الله تعالى: {وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلًا} [النساء: 142] لأنهم لا يذكرونه إلا باللسان وعند حضورهم بين الناس بخلاف المؤمنين الصادقين فإنهم إذا قاموا إلى الصلاة يطيرون إليها بجناحي الرغبة والرهبة بل يحنون إلى أوقاتها:
حنين أعرابية حنت إلى ** أطلال نجد فارقته ومرخه

ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: «أرحنا يا بلال» يريد عليه الصلاة والسلام أقم لنا الصلاة لنصلي فنستريح بها لا منها، وظن الأخير برسول الله صلى الله عليه وسلم كفر والعياذ بالله تعالى؛ وإذا عبدوا لا يرون إلا الله تعالى، وما قدر السوى عندهم ليراءوه؟ وإن كل جزء منهم يذكر الله تعالى، نعم إنهم قد يشتغلون به عنه فهناك لا يتأتى لهم الذكر، وقد عد العارفون الذكر لأهل الشهود ذنبًا، ولهذا قال قائلهم:
بذكر الله تزداد الذنوب ** وتنكشف الرذائل والعيوب

وترك الذكر أفضل كل شيء ** وشمس الذات ليس لها مغيب

لكن ذكر بعضهم أنه لا يصل العبد إلى ذلك المقام إلا بكثرة الذكر، وأشار إلى مقام عال من قال:
لا يترك الذكر إلا من يشاهده ** وليس يشهده من ليس يذكره

والذكر ستر على مذكوره ستر ** فحين أذكره في الحال يستره

فلا أزال على الأحوال أشهده ** ولا أزال على الأنفاس أذكره

{يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين} لئلا تتعدى إليكم ظلمة كفرهم {أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} [النساء: 144] حجة ظاهرة في عقابكم برسوخ الهيئة التي بها تميلون إلى ولايتهم {إِنَّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار} لتحيرهم بضعف استعدادهم {وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145] ينصرهم من عذاب الله تعالى لانقطاع وصلتهم وارتفاع محبتهم مع أهل الله تعالى: {إِلاَّ الذين تَابُواْ} رجعوا إلى الله تعالى ببقية نور الاستعداد وقبول مدد التوفيق {وَأَصْلَحُواْ} ما أفسدوا من استعدادهم بقمع الهوى وكسر صفات النفس ورفع حجاب القوى {واعتصموا بالله} بالتمسك بأوامره والتوجه إليه سبحانه: {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} بإزالة خفايا الشرك وقطع النظر عن السوى {فَأُوْلَئِكَ مَعَ المؤمنين} الصادقين {وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146] من مشاهدة تجليات الصفات وجنات الأفعال {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ} بالتوبة وإصلاح ما فسد والاعتصام بحبل الأوامر والتوجه إلى الله عز وجل وإخلاص الدين له سحبانه {وَءامَنتُمْ} الإيمان الحائز لذلك {وَكَانَ الله شاكرا عَلِيمًا} [النساء: 147] فيثيب ويوصل الثواب كاملًا، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (148):

قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أتم سبحانه وتعالى ما أراد من تقبيح حال المجالسين الخائضين في آياته بما هي منزهة عنه، ومما يتبعه من وصفهم وبيان قصدهم بتلك المجالسة من النهي عن مثل حالهم، ومن جزاء من فعل مثل فعلهم- إلى أن ختم بأشد عذاب المنافقين، وحث على التوبة بما ختمه بصفتي الشكر والعلم؛ أخبر أنه يبغض خوض الكافرين الذين قبح مجالستهم حال التلبس به، وكذا كل جهر بسوء إلا ما استثناه، فمن أقدم على ما لا يحبه لم يقم بحق عبوديته، فقال معللًا ما مضى قبل افتتاح أمر المنافقين من الأمر بإحسانه التحية: {لا يحب الله} أي المختص بصفات الكمال {الجهر} أي ما يظهر فيصير في عداد الجهر {بالسوء} أي الذي يسوء ويؤذي {من القول} أي لأحد كائنًا من كان، فإن ذلك ليس من شكر الله تعالى في الإحسان إلى عباده وعياله ولا من شكر الناس في شيء ولا يشكر الله من لا يشكر الناس {إلا من} أي جهر من {ظلم} أي كان من أحد من الناس ظلم إليه كائنًا من كان فإنه يجوز له الجهر بشكواه والتظلم منه والدعاء عليه وإن ساءه ذلك بحيث لا يعتدي.
ولما كان القول مما يسمع، وكان من الظلم ما قد يخفي، قال مرغبًا مرهبًا: {وكان الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة {سمعيًا} أي لكل ما يمكن سماعه من جهر وغيره {عليمًا} أي بكل ما يمكن أن يعلم فاحذروه لئلا يفعل بكم فعل الساخط، وجهر ومن ظلم- وإن كان داخلًا فيما يحبه الله تعالى على تقدير كون الاستثناء متصلًا- لكن جعله من جملة السوء وإن كان من باب المشاكلة فإن فيه لطيفة، وهي نهي الفطن عن تعاطيه وحثه على العفو، لأن من علم أن فعله بحيث ينطلق اسم السوء- على أي وجه كان إطلاقه- كف عنه إن كان موفقًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه تعالى لما ذكر من أحوال المنافقين وذمهم وإظهار فضائحهم ما ذكر، وبين ظلمهم واهتضامهم جانب المؤمنين، سوّغ هنا للمؤمنين أن يذكروهم بما فيهم من الأوصاف الذميمة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في كيفية النظم وجهان:
الأول: أنه تعالى لما هتك ستر المنافقين وفضحهم وكان هتك الستر غير لائق بالرحيم الكريم ذكر تعالى ما يجري مجرى العذر في ذلك فقال: {لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول إِلاَّ مَن ظُلِمَ} يعني أنه تعالى لا يحب إظهار الفضائح والقبائح إلا في حق من عظم ضرره وكثر مكره وكيده، فعند ذلك يجوز إظهار فضائحه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «اذكروا الفاسق بما فيه كي تحذره الناس» وهؤلاء المنافقون قد كان كثر مكرهم وكيدهم وظلمهم في حق المسلمين وعظم ضررهم، فلهذا المعنى ذكر الله فضائحهم وكشف أسرارهم.
الثاني: أنه تعالى ذكر في هذه الآية المتقدمة أن هؤلاء المنافقين إذا تابوا أخلصوا صاروا من المؤمنين، فيحتمل أنه كان يتوب بعضهم ويخلص في توبته ثم لا يسلم بعد ذلك من التعيير والذم من بعض المسلمين بسبب ما صدر عنه في الماضي من النفاق، فبين تعالى في هذه الآية أنه تعالى لا يحب هذه الطريقة، ولا يرضى بالجهر بالسوء من القول إلا من ظلم نفسه وأقام على نفاقه فإنه لا يكره ذلك. اهـ.